هل يدل النطق المتأخر على بطء في التطور العقلي عند الطفل ؟ ذلك هو أول ما يخطر ببال الوالدين ويؤلمهما. والحقيقة أن بعض الأطفال المتخلفين عقلياً يتأخرون في تعلم النطق والكلام، ولكن الكثيرين منهم أيضاً ينطقون بالألفاظ في وقتها المعتاد.
على أنه من الطبيعي أن الطفل الذي يعاني من تخلف عقلي شديد، والذي لا يستطيع الجلوس مثلاً حتى العام الثاني من العمر، يتأخر بالفعل في النطق والكلام أيضاً. ومع ذلك فالصحيح أيضاً إن الأكثرية الساحقة من الأطفال الذين يتأخرون في النطق حتى العام الثالث من العمر يتمتعون بذكاء طبيعي بل إن بعضهم أذكياء جداً ولامعون.
من هنا على الام التي يتأخر طفلها في الكلام ان تتجنب التوتر بسبب ذلك، وأن لا تسارع إلى الاستنتاج بأن طفلها بليد الذهن. وعليها ان تظهر له العطف والمودة ، مع تفادي المبالغة في توجيهه والسيطرة عليه. وعليها منحه الفرصة، إن أمكن، للاختلاط بأطفال آخرين لكي يشق طريقه بينهم، وان تتحدث إليه بلغة سهلة مبسطة وبمودة، وتشجعه على الاستفسار عن الأمور من خلال تسميتها، وعليها ان لا تجبره غاضبة بأن يتعلم ألفاظاً جديدة.
ومع أن جميع الأطفال لا يحسنون لفظ معظم الكلمات بادئ الأمر ثم يتحسن لفظهم شيئاً فشيئاً، إلا أن بعضهم يستمر لفظه لبعض الكلمات سيئاً، في حين يسيء غيرهم لفظ بعض الكلمات الأخرى. ومن الواضح أن بعض أنواع سوء اللفظ تعود إلى تشوه في اللسان، أو في أي جزء آخر من جهاز النطق. حتى إن بعضهم ينمو ويكبر واللثغ لا يفارقه رغم ما يبذلون من جهد لتفاديه. ويبدو أن بعض أنواع رداءة اللفظ تعود إلى انحرافات في مشاعر الأطفال. فبعضهم يظل يسيء لفظ بعض الكلمات، في حين يحسن لفظ كلمات أخرى تحتاج إلى نفس الحروف. ولكن هذا النوع من التخلف اللفظي البسيط لا أهمية له، ما دام الطفل يتقدم في تكييف نفسه تدريجاً، وما دام يستمر نموه وتطوره في ميادين الحياة الأخرى. ولا بأس بتصحيح نطق الطفل بين وقت وآخر، على أن يكون ذلك بلطف ومحبة.
ولكن، ماذا عن الطفل الذي يستمر اللثغ وسوء النطق عنده حتى سن الثالثة أو الرابعة أو الخامسة من العمر او حتى بعد ذلك، بحيث يصعب على زملائه فهمه، وبحيث يثير لفظه سخريتهم؟ هذا النوع من الأطفال يحتاج بالفعل إلى مراجعة مختص في السمع إذا توافر ذلك، وكان هذا المختص قادراً على التفاهم بسهولة مع طفل صغير، وعلى جعله يتقبل دروسه اللفظية وتوجيهاته. ولكن بصرف النظر عن توافر مختص لهذا الغرض أو عدم توافره، فإن الطفل بحاجة إلى رفقة أطفال آخرين تقارب سنهم سنه بقدر الإمكان. ويستحسن أن تكون هذه الرفقة من خلال الحضانة إلى أن يصبح مُؤهّلاً للمدرسة العادية. فالمعلمة البارعة يسهل عليها حماية مثل هذا الطفل من سخرية زملائه بسهولة إذا توافرت لديها اللباقة، كما تستطيع أن تدربه على الحديث بأسهل مما تستطيع الأم، لأنها لا تكون بالطبع قلقة عليه بقدر قلق أمه. ومن المعروف أن بعض المدارس لديها معلمات متدربات على تصحيح لفظ الأطفال.